رسالة صاحب الجلالة إلى وزير المكتب السلطاني بإنشاء هيئة مكافحة الفساد

 الاسم:  119_17618_1256923529.jpg

المشاهدات: 1

الحجم:  101.1 كيلوبايت



بسم الله الرحمن الرحيم





إلى وزير المكتب السلطاني:


لقد حقق بلدنا الغالي على مدى تاريخه إنجازات كبيرة، برغم شح الإمكانات والظروف الإقليمية غير المستقرة من حولنا، وتمكن وطننا بفضل الله وبتصميم وإرادة من شعبنا الوفي، أن يصل إلى مستوى متقدم في مسيرة التنمية، إلا أن التحديات الماثلة أمامنا ما زالت كبيرة أيضا، وتحتاج إلى تضافر جهود الجميع، مثلما تتطلب المثابرة والعمل الجاد لتعزيز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وتطوير ودعم قدرة هذه المؤسسات على ضمان توفير العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في توزيع مكتسبات التنمية.

إن آفة الفساد هي إحدى آفات العصر، وهذه الآفة لا تنحصر في ثقافة أو بلد ما، فهي ظاهرة موجودة في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، كما هي موجودة في القطاعين العام والخاص وفي مختلف طبقات المجتمع، لكن تأثيرها السلبي اكبر ما يكون في الدول التي تسعى جاهدة لتحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانتصار على الفقر والبطالة، فالفساد يبدد الطاقات ويكرس الإحباط ويزعزع ثقة المواطنين بمؤسساتهم ويحرمهم من فرصهم المشروعة.

وكما ينبغي للمجتمعات الجادة أن تحارب الفساد، فانه لا بد لمثل هذه المجتمعات أن تحمي المؤسسات العامة ومن يعمل فيها من خطر اغتيال الشخصية والإشاعة عملا بقوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" صدق الله العظيم، فالفساد واغتيال الشخصية صنوان. ومثلما نربأ على أنفسنا أن نتعامل مع الفاسدين أو نتغاضى عن فسادهم، فإننا بنفس القدر نرفض التعامل أو التواطؤ مع من يحاولون اغتيال الشخصية، وندعو إلى ملاحقة هؤلاء جميعاً قانونيا.

لقد كان بلدنا من الدول الرائدة في مكافحة الفساد على مستوى دول العالم، عبر الجهود الكبيرة التي قام بها جهاز الرقابة المالية، لكن ونحن نرنو إلى أن يظل هذا البلد أولاً ودائماً ومستقبلاً في مصاف الدول التي تسعى إلى التخلص من هذه الظاهرة ، فإننا ندرك انه قد شاب جهودنا لمكافحة الفساد بعض الشوائب والخلل والقصور في مراحل عدة عبر السنوات الماضية، مما يحتم علينا وضع آلية جديدة لمحاربة الفساد تضمن المزيد من الشفافية والعدالة والنزاهة.

وانطلاقاً من كل ما سبق وتعزيزاً لرؤيتنا وتطلعاتنا في بناء بلدنا النموذج الذي يشارك جميع أبنائه وبناته في صياغة مستقبله، وانسجاما مع طموحاتنا في تعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، لترقى إلى ثقة شعوب العالم المتقدمة بمؤسساتهم، فإننا نعهد إليكم بإنشاء هيئة مستقلة تضطلع بالتنسيق مع الجهات المعنية بوضع وتنفيذ إستراتيجية عامة لمكافحة الفساد والوقاية منه بشكل مؤسسي، وبما يكفل الكشف عن مواطن الفساد والتحري عن جميع القضايا المرتبطة به، بما فيها الفساد المالي والإداري والعمل على مباشرة التحقيقات اللازمة بخصوصه، وجمع الأدلة والمعلومات المرتبطة به.

إننا نرنو إلى هيئة مسؤولة عن ملاحقة كل من يسعى إلى الفساد والإفساد أو ينخرط في منزلقاته. مثلما نرنو أيضا إلى القيام بجهود تضمن تجفيف مواطن الفساد وإغلاق نوافذه، وتوعية المواطنين بآثاره السلبية الخطيرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعلى مصداقية هذا البلد لدى المستثمرين والمؤسسات الدولية.

وإذ نطمح إلى إنشاء هذه الهيئة التي ستعزز جهودنا في مجال الإصلاح والتحديث وتطوير مؤسسات الدولة لا سيما في الإدارة والقضاء، فإننا نرى أن ظاهرة الواسطة والمحسوبية التي يشكو منها المواطنون، هي أيضا إحدى أشكال الفساد، ففي الوقت الذي نعتز فيه بقيم التماسك والتراحم والتكافل الاجتماعي النابعة من تراثنا العربي والإسلامي، فإننا نرى أن الواسطة والمحسوبية التي تعتدي على حقوق الآخرين قد أضرت بالمال العام وحرمت بعض المواطنين من الفرص التي يستحقونها، ولهذا فإننا ندعو إلى اعتبار مبدأ تجريم الواسطة التي تهضم حقوق الغير قيمة من قيم مجتمعنا ومن المخالفات الصريحة لأسس العدالة والمساواة التي يعاقب عليها القانون.

وإذ نؤكد على استقلالية هذه الهيئة وضمان عملها بعيدا عن أي تأثير أو تدخلات من أي جهة كانت وإلى خضوعها لمعايير المساءلة والمحاسبة، فإننا نود أن نؤكد على أن تشمل رقابة وعمل هذه الهيئة جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والشركات المساهمة العامة والمؤسسات التي تتعامل مع القطاع العام، وأن يتم اختيار الأشخاص المنضويين في عمل هذه الهيئة عبر آلية تسمح بمشاركة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في عملية تزكيتهم والتوصية بهم، وفق أسس ومعايير واضحة ومنضبطة ، وان يتم رفد هذا الجهاز بما يتطلبه من إمكانيات ومتطلبات، بما في ذلك ما يحتاجه من كوادر الادعاء العام والتحقيق وضمان سهولة الوصول للمعلومات.

آملاً في اتخاذ الإجراءات اللازمة بالسرعة الممكنة لإعداد قانون هيئة مكافحة الفساد وإعطائه صفة الاستعجال لإقراره في اقرب فرصة، وأن نخرج بإستراتيجية واضحة لمكافحة الفساد والمفسدين والبدء بتنفيذها حتى يظل هذا الوطن كما أردناه حاضراً ومستقبلاً ودائماً موئلا للعدالة والنزاهة. 
 
 
وفقنا الله العلي القدير جميعاً في أن نحقق آمال شعبنا وطموحاته.


والله ولي التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
























الرسالة حلم يبقى كما يبقى حلم المواطن في أن تكون أموال وطنه لوطنه لا لمسؤولي وطنه، وأن يكون صاحب العمل هو ذو الكفاءة لا ذو الواسطة! يا صاحب الجلالة: ما كنّا لنتحدّث عن الفساد لولا أن فاحت ريحته بشكل مقرف، أصبح الفساد اليوم ظاهرة بل هي عادة حكومية يمارسها الصغير قبل الكبير، يا صاحب الجلالة: لا ولن ينبغي للموظف أن يستقوي على سلطانه ويستقوي على القانون ليسرق أموال الدولة ويحابي ذوي دمه ويعيث في الوطن فسادا وإفسادا!



بتصرّف: الرسالة هي رسالة عبدالله الثاني ملك الأردن إلى رئيس الوزراء والتي تتضمن أمرا بإنشاء هيئة مكافحة الفساد
 Share

0 التعليقات:

إرسال تعليق